الأحد، 4 نوفمبر 2012

التمرد و العصيان


+

مراثي ارميا 1:20 ، لو15: 11-32 ، عدد16: 1-35
مقدمة : -
هذا الموضوع ، أيديولوجي أكثر منه شخصي ( جعلوني مجرما ) أي أن البيئة التي يعيش فيها الفرد لها النصيب الأكبر من الإتهام في حدوثه فنحتاج هنا إلي الحوارأكثر من المحاضرة .
     فسوف نأخذ فكرة تفتح لنا غوامض هذا الموضوع ثم نبدأ حوارنا ....
     يرثي ارميا النبي لحالة شعبه ؛ و ما وصلت إليه نفسه فيقول : " أنظر يا رب فإني في ضيق . أحشائي غلت . إرتد قلبي في بطني لأني قد عصيت متمردة .في الخارج يثكل السيف و في البيت مثل الموت"  .                                                                                         (مرا 1 : 2  )                 
 -  " لأن الإبن مستهين بالأب و البنت قائمة علي أمها و الكنه علي حماتها و أعداء الإنسان أهل بيته "                                                                                            (ميخا 7 : 6 )            
- " جيل يلعن آباه ولا يبارك أمه جيل طاهر في عيني نفسه وهو لم يغتسل من قذره . جيل ما أرفع عينيه و حواجبه مرتفعه . جيل أسنانه سيوف و أضراسه سكاكين لأكل المساكين عن الأرض و الفقراء بين الناس ...العين المستهزئة بأبيها و المحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر ".
                                                                                     (ام 30: 11 – 14 ، 17)
+ التمرد و العصيان  :
صورة من صور عدم التكيف الإجتماعي ؛ الذي يعبر عن عجز الفرد عن التماشي مع قيم و معايير و قوانين المجتمع الذي يعيش فيه ، وبالتالي عجزه عن الأخذ و العطاء بطريقة  راضية مرضيه مع من يتعامل معهم .
مفهوم التكيف :
مستمد اساسا من علم البيولوجيا ، حسب نظرية  " دارون " المعروفة بإسم " نظرية النشوء و الإرتقاء " و التي تقول بأن الكائن الحي يحاول  أن يوائم بين نفسه و العالم الطبيعي الذي يعيش فيه ؛ محاولة منه من أجل البقاء .
       فسلوكه عباره عن ردود أفعال لعديد من المطالب و الضغوط البيئيه فنراه كيف يتكيف مع حر الصيف و كذلك برد الشتاء ...إلخ.
     فالإنسان مثلما يتلائم مع البيئه الكائن فيها يستطيع أن يتكيف مع الظروف الإجتماعية و النفسيه التي تحيط به ، و ظروف الحياه نفسها تدفعه إلي هذا التكيف  . ويساعد علي ذلك ما لدي الفرد من قدرة علي التطبيع الإجتماعي و الذكاء .
- لم يخبرنا السيد المسيح له المجد : في مثل الإبن الضال عن ما هي الأسباب التي أدت بهذا الإبن الي المطالبه بالإنفصال عن أسرته ..و لكن أكيد هناك أسباب لعدم تكيفه مع الأسرة .
و هذا يفهم ضمنيا من اخلاق الإبن الأكبر ..و كيف كان تصرفه و رده عندما إستدعاه اباه لحفل إستقبال أخوه..
+ فعدم صمود الفرد أمام الضغوط الإجتماعية العامه ؛ تدفعه الي رد فعل عكسي ، بما يسمي بالهروب الي الأمام – " طب انا هأثبت لكم اني متكيف و انا الصح " – هذا بدوره يجعله متمردا علي مجتمعه الذي يعيش فيه عاصيا لقوانينه و أحكامه .
وقد يري البعض : أن القلق الذي يعانيه بعض الأشخاص نتيجة لإضطراب وضعهم الإجتماعي     - كأن يكون إنتمائهم لإحدي الفئات الإجتماعية غير واضح تماما أو غير معترف به ..إلخ ( قله ) -أو نتيجه لأي مصدر آخر من مصادر الصراع النفسي .. هذا القلق يكون من الثقل و الضخامه أحيانا  بحيث يعوق هؤلاء الأفراد عن ان يواجهوا ما في واقعهم الإجتماعي من غموض فيتمردون بما يسمي " بالنفور من الغموض " .
و تفضيل ترك هذا المجتمع " هجرة – سفر - ..الخ كما فعل الإبن الضال " – بدون تفكير عميق ، هذه كلها حلول سلبيه ..

+ عوامل تؤثر في عمليتي التمرد و العصيان : لم يضع علماء الإجتماع والنفسانيون، الشخص المتمرد أو العاصي في قفص الإتهام وحده ، كمسئول وحيد عن تمرده ، بل وضعوا معه بجانب العوامل الشخصيه له ، عوامل بيئية داخلية ، و عوامل بيئية خارجية .
أولا : العوامل الشخصية :-  ويندرج تحتها :
+العناصر البيولوجية الشخصية : صفات جسمية – تاريخ مرضي " تبول لا إرادي – مص الأصابع – وقضم الأظافر – أنواع من النقص الحسي – إختلال في التركيب الجنسي " .
+ العناصر السيكولوجية : إختلال أو إهتزاز في الشخصية نتيجة لـــ :
1 - الصراع : نتيجة لتقمص دوراَ  أكبر من إمكانياته
2 - الحالات الإنفعاليه المتقلبه
3 - وجود الحاجه القهرية للطموح و التفوق " السرور لأي تقدير و الخوف من الفشل"
4 - التوتر النفسي الناتج عن رواسب طفوليه قديمه ، أو عوامل مكتسبه حديثة
5 - الإضطرابات النفسية : كالتهيج الهذياني و تغميم الشعور مثل " الهوس ، و الإنقباض والقلق  و الخلط ، و النفور المفاجئ من الأقارب ، و الهلوسه ، و إضطرابات الكلام " .
6 -  ظهور ميول و إتجاهات شارده ؛ كعرض مبكر لمرض نفسي ، فقد يتجه الي العزله و الإنطواء أو يتجه إلي التدمير و الرغبه في الإيذاء – وقد تجتاحه ميول قويه تتمثل في حب الظهور و التعبير عن الذات – وبهذا يتخذ إتجاهات لا إجتماعية بصورها المختلفه .

ثانيا : العامل البيئية الداخلية :-
أ-  العلاقة بين الأبوين : لا تخلو حياة الأسرة من الإحتكاكات البسيطة التي تمر بين الحين و الآخر ، هذه الخلافات لا تعتبر في حقيقتها جرثومة هدم تعرض حياة الأسرة للخطر ما دامت لا تمس أيديولوجية الأسرة ، و لا تتناول دعائم التوفيق الأسري .
      أما الخلافات الهدامه فهي تتناول المعايير والقيم التي يرسمها كلا الزوجين مثل :
- الخلافات العقائدية و الدينية .
- الخلافات الناشئة عن تفاوت المستوي الطبقي والإجتماعي .
- الصفات الشخصية المتوارثه.
- أو حتي خصائص البناء الجسدي .
     فآثار استمرار الحياه الزوجية المضطربة تنعكس علي الأولاد - إذ أن آثار الخلاف بين الزوجين يظهر في واحدة أو أكثر من الصور الآتية : -
1 - تنازع الولاء للأسرة ككل – وتأرجح الأولاد : إلي أيهما ينتمي .
2 - ضياع وظيفتي الأبوين " سُلطة ، وعطف " مما يتأرجح معه الأبناء فينتمون إلي الأكثر عطفا ؛ " ليشبع عاطفيا " – و من ناحية أخري – ينحل أخلاقيا لغياب الضغط الإجتماعي .
3 - ظهر أن نسبة كبيرة من حالات المروق " التمرد " و التشرد ، توجد لدي أولاد الأسر المضطربة او المحطمة ، بسبب الهجرة أو الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما أو غياب الأب للعمل بالخارج أو مرض أحدهما لمدة طويلة .
4 - سوء المعامله أو الإفساد في الأسرة و الإباحيه  مثل :
*عدم إحترام و تقدير العادات و التقاليد المجتمعيه .
* خفوت القيم الروحيه أو إنعدامها .
* إنهيار معاني العفه و تغليب الغرائز .
* الإنصراف عن الإلتزامات الأسرية و الأنانية .
* عدم تقديس المعاني الوطنيه
* إستباحة الإستيلاء علي حقوق الآخرين أو تحطيم مصالحهم و سمعتهم بقصد التشفي .
* الهروب من الواقع الإجتماعي ..، و محاولة تقليد ومحاكات نماذج معينه في مجتمع آخر .
* هبوط مستوي القوي الضابطة في الأسرة .

ب – الأحوال الإقتصادية للأسرة : -
     ومع ذلك لا يعني ان الفقر يؤدي بالضرورة الي التمرد أو العصيان ، إلا إنه يتفاعل مع غيره من العوامل الأخري . فلابد من أهمية الإستقرار المادي للأسرة مع القناعة و التقوي – اللتان بدونهما يمكن للأسرة أن تهتز تحت تأثير الحرمان من الضرورات المادية اللازمة لثبات وأستقرار الحياة الإنسانية اليومية .

ثالثا – العوامل البيئية الخارجية : -

     الحديث عن العوامل البيئيه الخارجيه ينبغي أن يدور في فلك العوامل الأخري ، سواء كانت شخصية ، أو بيئيه داخليه...أما إذا أردنا تحديد معالم العوامل البيئية الخارجية فأهمها : -
* المسكن من حيث المساحة بالنسبه لعدد الأفراد .
* الطابع الأيديولوجي الذي يأخذه الحي و مؤثرات الجيره .
* المدرسة أو الكلية و أنظمتها .
* العمل و طبيعته و ظروفه .
* الأصدقاء و الزملاء .
* الترويح الإعلامي الموجه ، و الترويح التجاري اللاسوي ، و الترويح السلبي..
* التشريعات المنظمه ، والأحكام العامة .
* التحضر و التصنيع ، و الهجرة .
* الكساد والأزمات الإقتصادية .
* الحروب وآثارها في نفس الأفراد .
+ و من ناحية اخري ، قد أجمل أحد العلماء المحدثين أسباب التمرد فيما يلي :-
1- عدم الإستقرار الإجتماعي للمجتمع نفسه .
2- كثرة الحروب والقتالات أنمت ظاهرة الخوف في الأفراد .
3- زعزعت الأمان و الأمن في المجتمع الشرقي .
4- التفكك الأسري ....و الإستقلاليه المرضيه عن روح الأسرة الواحده .
5- ضعف الايمان ..و عدم الثقه في الله .
6- إنتشار تجار الأديان واللعب بالعقيده .
7- الإدمان القاتل ....و تكاليفه الباهظه و البحث عن مورد سخي .
8- الأمراض النفسيه الحديثه نتيجة للضغوط المختلفة.
9- الأزمات العامه ؛ ولاسيما الإقتصادية .
10- ضياع أهداف المعيشه .

      هذا و من الناحية الروحيه ، قد يأتي التمرد و العصيان نتيجة لـــ :-
1- الفتور الروحي : نتيجة لضعف أو جفاف ثمر الروح في الإنسان .
2- قصور و إقتصار إستخدام الوزنات و المواهب الروحيه  ، " الخدمه...لمين..".
3- عدم الإستفادة من خبرات و تراث آبائنا الأولين .
     و هذا أيضا يكون بسبب المعاشرات الرديه ،  الفراغ ، عدم وجود مرشد روحي  .

+الخلاصة :
     يمكننا أن نتبين مما سبق : أن التمرد و العصيان سواء كان نتيجة لإضطراب في الوظائف الفسيولوجية ، في شكل عصاب أو أذهان ( اي مرض نفسي ) ، أو نشأ عن عوامل بيئيه داخلية أو خارجية – ليس من المرء أي محاولة لحل الصراع !!!
     فلابد من البحث وراء مصادر الصراع بين الرغبات و بين العقبات التي تحول دون إشباعها ، و العمل علي التوفيق و التوضيح بينهما .

+ مضاعفات التمرد و العصيان : -
     قد يصل بالفرد غالباً إلي سوء التكيف الذاتي الذي يظهر في الصراع الداخلي للإنسان، وعدم الإستقرار النفسي ، و فقدان السلام الداخلي  ( عدم تقبل الانسان لنفسه )
 أي يكون الإنسان دائما ً في حالة من عدم الرضا والقناعه ( شعور بالنقص ) ، – أو شعور بالعظمه – ، و أحياناً ما تقوده الأولي الي إحتقار ذاته ؛ مما يدفعه في بعض الحالات الي الإنتحار ،  وقد تقوده الثانية إلي الذاتيه " السيكوباتيه " ، و إحتقار الآخرين والإستهتار بهم ؛ مدفوعاً بمصالحه الشخصية ، دون النظرالى مصالح أو مشاعر الآخرين ( انا ومن بعدي الطوفان ).
هذا بالنسبه للفرد – أما للمجتمع : فالتمرد و العصيان ، يحدثان شرخاً في المجتمع يصعب التئامه !!!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق