+
مراثي ارميا 1:20 ، لو15: 11-32
، عدد16: 1-35
مقدمة : -
هذا الموضوع ، أيديولوجي أكثر
منه شخصي ( جعلوني مجرما ) أي أن البيئة التي يعيش فيها الفرد لها النصيب الأكبر
من الإتهام في حدوثه فنحتاج هنا إلي الحوارأكثر من المحاضرة .
فسوف نأخذ فكرة تفتح لنا غوامض هذا الموضوع
ثم نبدأ حوارنا ....
يرثي ارميا النبي لحالة شعبه ؛ و ما وصلت
إليه نفسه فيقول : " أنظر يا رب فإني في ضيق . أحشائي غلت . إرتد قلبي في
بطني لأني قد عصيت متمردة .في الخارج يثكل السيف و في البيت مثل الموت" . (مرا
1 : 2 )
-
" لأن الإبن مستهين بالأب و البنت قائمة علي أمها و الكنه علي حماتها
و أعداء الإنسان أهل بيته " (ميخا
7 : 6 )
- " جيل يلعن آباه ولا
يبارك أمه جيل طاهر في عيني نفسه وهو لم يغتسل من قذره . جيل ما أرفع عينيه و
حواجبه مرتفعه . جيل أسنانه سيوف و أضراسه سكاكين لأكل المساكين عن الأرض و
الفقراء بين الناس ...العين المستهزئة بأبيها و المحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان
الوادي وتأكلها فراخ النسر ".
(ام 30: 11 – 14 ، 17)
+ التمرد و
العصيان :
صورة من صور عدم التكيف الإجتماعي
؛ الذي يعبر عن عجز الفرد عن التماشي مع قيم و معايير و قوانين المجتمع الذي يعيش
فيه ، وبالتالي عجزه عن الأخذ و العطاء بطريقة راضية مرضيه مع من يتعامل معهم .
مفهوم التكيف :
مستمد اساسا من علم البيولوجيا
، حسب نظرية " دارون " المعروفة
بإسم " نظرية النشوء و الإرتقاء " و التي تقول بأن الكائن الحي
يحاول أن يوائم بين نفسه و العالم الطبيعي
الذي يعيش فيه ؛ محاولة منه من أجل البقاء .
فسلوكه عباره عن ردود أفعال لعديد من
المطالب و الضغوط البيئيه فنراه كيف يتكيف مع حر الصيف و كذلك برد الشتاء ...إلخ.
فالإنسان مثلما يتلائم مع البيئه الكائن
فيها يستطيع أن يتكيف مع الظروف الإجتماعية و النفسيه التي تحيط به ، و ظروف
الحياه نفسها تدفعه إلي هذا التكيف .
ويساعد علي ذلك ما لدي الفرد من قدرة علي التطبيع الإجتماعي و الذكاء .
- لم يخبرنا السيد
المسيح له المجد : في مثل الإبن الضال
عن ما هي الأسباب التي أدت بهذا الإبن الي المطالبه بالإنفصال عن أسرته ..و لكن
أكيد هناك أسباب لعدم تكيفه مع الأسرة .
و هذا يفهم ضمنيا من
اخلاق الإبن الأكبر ..و كيف كان تصرفه و رده عندما إستدعاه اباه لحفل إستقبال أخوه..
+ فعدم صمود الفرد
أمام الضغوط الإجتماعية العامه ؛ تدفعه الي رد فعل عكسي ، بما يسمي بالهروب الي
الأمام – " طب انا هأثبت لكم اني متكيف و انا الصح " – هذا بدوره يجعله
متمردا علي مجتمعه الذي يعيش فيه عاصيا لقوانينه و أحكامه .
وقد يري البعض : أن
القلق الذي يعانيه بعض الأشخاص نتيجة لإضطراب وضعهم الإجتماعي - كأن يكون إنتمائهم لإحدي الفئات الإجتماعية
غير واضح تماما أو غير معترف به ..إلخ ( قله ) -أو نتيجه لأي مصدر آخر من مصادر
الصراع النفسي .. هذا القلق يكون من الثقل و الضخامه أحيانا بحيث يعوق هؤلاء الأفراد عن ان يواجهوا ما في
واقعهم الإجتماعي من غموض فيتمردون بما يسمي " بالنفور من الغموض " .
و تفضيل ترك هذا
المجتمع " هجرة – سفر - ..الخ كما فعل الإبن الضال " – بدون تفكير عميق
، هذه كلها حلول سلبيه ..
+ عوامل تؤثر في
عمليتي التمرد و العصيان : لم
يضع علماء الإجتماع والنفسانيون، الشخص المتمرد أو العاصي في قفص الإتهام وحده ، كمسئول
وحيد عن تمرده ، بل وضعوا معه بجانب العوامل الشخصيه له ، عوامل بيئية داخلية ، و
عوامل بيئية خارجية .
أولا : العوامل
الشخصية :- ويندرج تحتها :
+العناصر البيولوجية
الشخصية : صفات جسمية – تاريخ مرضي " تبول لا إرادي – مص الأصابع – وقضم
الأظافر – أنواع من النقص الحسي – إختلال في التركيب الجنسي " .
+ العناصر
السيكولوجية : إختلال أو إهتزاز في الشخصية نتيجة لـــ :
1 - الصراع : نتيجة
لتقمص دوراَ أكبر من إمكانياته
2 - الحالات الإنفعاليه
المتقلبه
3 - وجود الحاجه
القهرية للطموح و التفوق " السرور لأي تقدير و الخوف من الفشل"
4 - التوتر النفسي
الناتج عن رواسب طفوليه قديمه ، أو عوامل مكتسبه حديثة
5 - الإضطرابات
النفسية : كالتهيج الهذياني و تغميم الشعور مثل " الهوس ، و الإنقباض والقلق و الخلط ، و النفور المفاجئ من الأقارب ، و
الهلوسه ، و إضطرابات الكلام " .
6 - ظهور ميول و إتجاهات شارده ؛ كعرض مبكر لمرض
نفسي ، فقد يتجه الي العزله و الإنطواء أو يتجه إلي التدمير و الرغبه في الإيذاء –
وقد تجتاحه ميول قويه تتمثل في حب الظهور و التعبير عن الذات – وبهذا يتخذ إتجاهات
لا إجتماعية بصورها المختلفه .
ثانيا : العامل
البيئية الداخلية :-
أ- العلاقة بين الأبوين : لا تخلو حياة الأسرة من الإحتكاكات البسيطة التي
تمر بين الحين و الآخر ، هذه الخلافات لا تعتبر في حقيقتها جرثومة هدم تعرض حياة
الأسرة للخطر ما دامت لا تمس أيديولوجية الأسرة ، و لا تتناول دعائم التوفيق
الأسري .
أما الخلافات الهدامه فهي تتناول المعايير
والقيم التي يرسمها كلا الزوجين مثل :
- الخلافات
العقائدية و الدينية .
- الخلافات الناشئة
عن تفاوت المستوي الطبقي والإجتماعي .
- الصفات الشخصية
المتوارثه.
- أو حتي خصائص
البناء الجسدي .
فآثار استمرار الحياه الزوجية المضطربة
تنعكس علي الأولاد - إذ أن آثار الخلاف بين الزوجين يظهر في واحدة أو أكثر من
الصور الآتية : -
1 - تنازع الولاء للأسرة
ككل – وتأرجح الأولاد : إلي أيهما ينتمي .
2 - ضياع وظيفتي
الأبوين " سُلطة ، وعطف " مما يتأرجح معه الأبناء فينتمون إلي الأكثر
عطفا ؛ " ليشبع عاطفيا " – و من ناحية أخري – ينحل أخلاقيا لغياب الضغط
الإجتماعي .
3 - ظهر أن نسبة
كبيرة من حالات المروق " التمرد " و التشرد ، توجد لدي أولاد الأسر
المضطربة او المحطمة ، بسبب الهجرة أو الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما أو غياب
الأب للعمل بالخارج أو مرض أحدهما لمدة طويلة .
4 - سوء المعامله أو
الإفساد في الأسرة و الإباحيه مثل :
*عدم إحترام و تقدير
العادات و التقاليد المجتمعيه .
* خفوت القيم
الروحيه أو إنعدامها .
* إنهيار معاني
العفه و تغليب الغرائز .
* الإنصراف عن الإلتزامات
الأسرية و الأنانية .
* عدم تقديس المعاني
الوطنيه
* إستباحة الإستيلاء
علي حقوق الآخرين أو تحطيم مصالحهم و سمعتهم بقصد التشفي .
* الهروب من الواقع
الإجتماعي ..، و محاولة تقليد ومحاكات نماذج معينه في مجتمع آخر .
* هبوط مستوي القوي
الضابطة في الأسرة .
ب – الأحوال الإقتصادية
للأسرة : -
ومع ذلك لا يعني ان الفقر يؤدي بالضرورة الي
التمرد أو العصيان ، إلا إنه يتفاعل مع غيره من العوامل الأخري . فلابد من أهمية
الإستقرار المادي للأسرة مع القناعة و التقوي – اللتان بدونهما يمكن للأسرة أن
تهتز تحت تأثير الحرمان من الضرورات المادية اللازمة لثبات وأستقرار الحياة الإنسانية
اليومية .
ثالثا – العوامل
البيئية الخارجية : -
الحديث عن العوامل البيئيه الخارجيه ينبغي أن
يدور في فلك العوامل الأخري ، سواء كانت شخصية ، أو بيئيه داخليه...أما إذا أردنا
تحديد معالم العوامل البيئية الخارجية فأهمها : -
* المسكن من حيث
المساحة بالنسبه لعدد الأفراد .
* الطابع
الأيديولوجي الذي يأخذه الحي و مؤثرات الجيره .
* المدرسة أو الكلية
و أنظمتها .
* العمل و طبيعته و
ظروفه .
* الأصدقاء و
الزملاء .
* الترويح الإعلامي
الموجه ، و الترويح التجاري اللاسوي ، و الترويح السلبي..
* التشريعات المنظمه
، والأحكام العامة .
* التحضر و التصنيع
، و الهجرة .
* الكساد والأزمات
الإقتصادية .
* الحروب وآثارها في
نفس الأفراد .
+ و من ناحية اخري ،
قد أجمل أحد العلماء المحدثين أسباب التمرد فيما يلي :-
1- عدم الإستقرار
الإجتماعي للمجتمع نفسه .
2- كثرة الحروب
والقتالات أنمت ظاهرة الخوف في الأفراد .
3- زعزعت الأمان و
الأمن في المجتمع الشرقي .
4- التفكك الأسري
....و الإستقلاليه المرضيه عن روح الأسرة الواحده .
5- ضعف الايمان ..و
عدم الثقه في الله .
6- إنتشار تجار
الأديان واللعب بالعقيده .
7- الإدمان القاتل
....و تكاليفه الباهظه و البحث عن مورد سخي .
8- الأمراض النفسيه
الحديثه نتيجة للضغوط المختلفة.
9- الأزمات العامه ؛
ولاسيما الإقتصادية .
10- ضياع أهداف
المعيشه .
هذا و من الناحية الروحيه ، قد يأتي التمرد
و العصيان نتيجة لـــ :-
1- الفتور الروحي :
نتيجة لضعف أو جفاف ثمر الروح في الإنسان .
2- قصور و إقتصار إستخدام
الوزنات و المواهب الروحيه ، " الخدمه...لمين..".
3- عدم الإستفادة من
خبرات و تراث آبائنا الأولين .
و هذا أيضا يكون بسبب المعاشرات الرديه ، الفراغ ، عدم وجود مرشد روحي .
+الخلاصة :
يمكننا أن نتبين مما سبق : أن التمرد و
العصيان سواء كان نتيجة لإضطراب في الوظائف الفسيولوجية ، في شكل عصاب أو أذهان (
اي مرض نفسي ) ، أو نشأ عن عوامل بيئيه داخلية أو خارجية – ليس من المرء أي محاولة
لحل الصراع !!!
فلابد من البحث وراء مصادر الصراع بين
الرغبات و بين العقبات التي تحول دون إشباعها ، و العمل علي التوفيق و التوضيح
بينهما .
+ مضاعفات التمرد و
العصيان : -
قد يصل بالفرد غالباً إلي سوء التكيف الذاتي
الذي يظهر في الصراع الداخلي للإنسان، وعدم الإستقرار النفسي ، و فقدان السلام الداخلي ( عدم تقبل الانسان لنفسه )
أي يكون الإنسان دائما ً في حالة من عدم الرضا والقناعه
( شعور بالنقص ) ، – أو شعور بالعظمه – ، و أحياناً ما تقوده الأولي الي إحتقار
ذاته ؛ مما يدفعه في بعض الحالات الي الإنتحار ، وقد تقوده الثانية إلي الذاتيه " السيكوباتيه
" ، و إحتقار الآخرين والإستهتار بهم ؛ مدفوعاً بمصالحه الشخصية ، دون النظرالى
مصالح أو مشاعر الآخرين ( انا ومن بعدي الطوفان ).
هذا بالنسبه للفرد –
أما للمجتمع : فالتمرد و العصيان ، يحدثان شرخاً في المجتمع يصعب التئامه !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق